بسم الله الرَّحمَن الرَّحيم
-01-
فهذَا كلامٌ مُقتَضبٌ وهوَ كالرَّد لمَا وَردَ في شَرْحِ كِتَـــابِ " ابن عَاشر" للشَّيخ المُختَار بن العَربي مُؤمن الجزَائري والذي يَعنينا من شَرْحِه البَابُ الأوَّل : [ العَقيدة ] والمَقصُود من هذا المَكتوب بيان نُصرة اختيار صاحب المَتن العلاَّمة ابن عاشر الأشْعري والذي لا يُنْكِرُ الشَّارح عنه هذه النِّسبة بالمَفْهوم الذي يَذمُّه إلاَّ أنَّ تَضْمينَ الرَّد في الشَّرح يُعد من نَوْعِ ضُروب التَّأويلِ وليِّ عنق النَّص ومنه الخروج عن مقصود ما وُضعَ من أجله المتنُ ابتداءً، فللشَّيخ أنْ يَعتذر عن الشَّرح لقيام المُعارضة منه للماتن أو كتابة المُعارضة تنصيصًا منفصلة عن أصل الشَّرح وهكذا يفْعل أهل العلم.
والذي نبدأ به تَقْسيمه الذي أخذه عن غَيره دون تَجلية ولا ببيان المُستند وهو أنَّ الإمام الأشْعري مرَّ بثلاث مرَاحل وهذه شُبهة لطالما رددها سلفية زمننا !! ظنٌّا منهم أنَّه دليل كاف لهدم أصُول المذْهب الأشعري ولعمري كيف جاز لهم ذلك وهل غاب عن طلاَّب الأشْعري وهم أقرب النَّاس إليه مثل هذا الفَرض والظن !! ... وأَحسبُ أنَّ الرَّد بهذا الأسلوب من أكذب الردود فعندما لا تَجد ممسكًا ولا دليلاً للنقض تعمد للتمسك بأنَّ مثل الأشعري والغزالي والرَّازي والجويني تَراجعوا وندموا .. ما هكذا تُورد الإبل .. فقد قيل في الحافظ ابن تيمية أنَّه تراجع عن عقْده وندم وتاب وكتبَ في ذلك بخطّ يديه ما يَستدلُّ به بعض منا لنقض ما رَتبه الحافظ ابن تيمية ونَصره وأيَّده ولمْ يكن هذا دليلاَ عندهم بل الإنكار وردّ هذا القَول، ولا أناقش هنا في صحة هذه الدعوى فالشاهد هو التحكّم ونُصرة الهوى بل أحسب أنَّ هذا المنهج خطأ في النَقد فبيننا تُراث الأئمَّة فإليه تكون المحاكمة وكذا النَظر في مصنفات ونقولات تلاميذهم ممن شرحوا وهذَّبوا ووسعوا ونشروا ومنه تفهم البُنية الكليَّة لتلك المدارس سواء المدرسة الأشعرية أو المدرسة التيمية .
-02-
وممَّا لا شَك فيه أنَّ الانتساب لمدْرسة مـــا يَكون بالنظر لموافقة المُنتسب لغالب الأصول الكليَّة التي تتبناها تلك المدرسة ولا يَعني أنَّه إذا خالف في فروع الأصُول يكون قد تنكّب عن تلك المدْرسة فهذا ممَّا لم يقل به أحدٌ من المتقدمين وفي هذا يَقول الإمام ابن العربي فإنه قال لأحد الإمامية في مناظرة بينهما ( 1 ) : "إنك إذا سمعت أني أشعري ، كيف حكمت بأني مقلد له في جميع قولي ، وهل أنا إلا ناظر من النظار ، أدين بالاختيار ، وأتصرف في الأصول بمقتضى الدليل". فكانَ النَظر للدَّليل هوَ المطْلوب فلم يْبنوا أصُولهم على مُقتضى أقْوال الإمام الأشعري تقْليدًا بل نَظروا للدليل أوَّلا فكان الإمام الأشعري في نظرهم أحسن من وّفق في تقرير عقائد السَلف بقوالب عقلية لذا صحَّ الانتساب له من هذا الباب لا أنَّه أنشأ قواعد خالفت الدَّليل ومــا من قاعدة إلاَّ ولها شاهدا عدْل وحَسبُك النَظر في كُتبهم.
-------
(1) - العواصم من القواصم:1/55